الفساد فـي المغرب أضحى معطى بنيويا و منظومة بنيوية معقدة

Admin Sa.El24 مايو 2024Last Update :
الفساد فـي المغرب أضحى معطى بنيويا و منظومة بنيوية معقدة

سكاي ميضار الطو

موقف‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية‭ ‬من‭ ‬المشروع‭ ‬التنظيمي‭ ‬لإصلاح‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي،‭ ‬بالتماطل‭ ‬في‭ ‬إدراج‭ ‬أفعال‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬جرائم‭ ‬الفساد‭ ‬وآليات‭ ‬محاربتها،‭ ‬ليس‭ ‬بالموقف‭ ‬المفاجئ‭ ‬ولا‭ ‬بالمثير‭ ‬للاستغراب،‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬طبيعة‭ ‬الحكومة‭ ‬نفسها،‭ ‬وإلى‭ ‬موقف‭ ‬بعض‭ ‬الوزراء‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬السابقة،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يخفون‭ ‬اعتراضهم‭ ‬على‭ ‬المشروع‭ ‬المذكور،‭ ‬وذلك،‭ ‬لكون‭ ‬ظاهرة‭ ‬الفساد‭ ‬بتعقيداتها‭ ‬القانونية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬كذلك،‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬الوسائل‭ ‬المستعملة‭ ‬التي‭ ‬كادت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مهيكلة‭ ‬وبنيوية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.‬

وبحكم‭ ‬أنها‭ ‬تتنافى‭ ‬مع‭ ‬مصالح‭ ‬الطبقات‭ ‬المهيمنة،‭ ‬جعلها‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬تنسجم‭ ‬مع‭ ‬طبيعة‭ ‬الحكومة‭ ‬وقناعات‭ ‬الأحزاب‭ ‬المكونة‭ ‬لها‭. ‬بدليل‭ ‬أن‭ ‬وزير‭ ‬العدل‭ ‬نفسه،‭ ‬وفي‭ ‬المدة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬تذرع‭ ‬عند‭ ‬سحب‭ ‬مشروع‭ ‬تجريم‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع،‭ ‬بكونه‭ ‬مخالفا‭ ‬لقرينة‭ ‬البراءة،‭ ‬لأنك‭ ‬مطالب‭ ‬بإثبات‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬الأموال؟‭ ‬ونسي‭ ‬أن‭ ‬المطلوب‭ ‬هو‭ ‬إثبات‭ ‬مشروعية‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الأموال،‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬الحصول‭ ‬عليها‭.‬

ويمكن‭ ‬تصنيف‭ ‬قانون‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬ضمن‭ ‬القوانين‭ ‬الرئيسية‭ ‬المكونة‭ ‬لترسانة‭ ‬قوانين‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد‭. ‬وهو‭ ‬يسائل‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬كُل‭ ‬موظف‭ ‬دولة‭ ‬‭ ‬بمفهوم‭ ‬قانون‭ ‬المسطرة‭ ‬الجنائية،‭ ‬عجز‭ ‬عن‭ ‬الرد‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭ ‬”من‭ ‬أين‭ ‬لك‭ ‬هذا؟”،‭ ‬ولم‭ ‬يدل‭ ‬بما‭ ‬يثبت‭ ‬مصدر‭ ‬مشروعية‭ ‬إثرائه‭ ‬الفجائي‭ ‬وزيادة‭ ‬ثورته،‭ ‬بمصادرة‭ ‬أملاكه‭ ‬ومنعه‭ ‬من‭ ‬تقلد‭ ‬الوظائف‭ ‬العمومية‭.‬

كما‭ ‬يعتبر‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬ضمن‭ ‬الآليات‭ ‬الجادة‭ ‬التي‭ ‬تقوي‭ ‬وتنمي‭ ‬وتعزز‭ ‬المواطنة‭ ‬والثقة‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬وفي‭ ‬المؤسسات‭ ‬والتمسك‭ ‬بالقانون‭ ‬لدى‭ ‬المواطن‭ ‬تجاه‭ ‬الدولة‭ ‬والإدارة.‭ ‬كما‭ ‬يجبر‭ ‬الإدارة‭ ‬على‭ ‬التحلي‭ ‬بسلوك‭ ‬المسؤولية‭ ‬والانفتاح‭ ‬وقبول‭ ‬مبدإ‭ ‬المحاسبة‭.‬

وقد‭ ‬سحبت‭ ‬الحكومة،‭ ‬بالفعل،‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭ ‬الذي‭ ‬يتضمن‭ ‬تجريم‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع،‭ ‬بدعوى‭ ‬أنها‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬كافي‭ ‬لإعادة‭ ‬قراءة‭ ‬المشروع‭ ‬والمصادقة‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الحكومة،‭ ‬بما‭ ‬يتطلب‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬استحضار‭ ‬كل‭ ‬الجوانب‭ ‬الايجابية‭ ‬والسلبية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتطلب‭ ‬الوقت‭ ‬الكافي،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتوفر‭ ‬لديها‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬رغم‭ ‬مرور‭ ‬نصف‭ ‬ولايتها!‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬مسألة‭ ‬المطالبة‭ ‬بضرورة‭ ‬المصادقة‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬10.16،‭ ‬الذي‭ ‬يقضي‭ ‬بتغيير‭ ‬وتتميم‭ ‬مجموعة‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي،‭ ‬ويتضمن‭ ‬مادة‭ ‬حول‭ ‬تجريم‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع،‭ ‬مثار‭ ‬جدل‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬المؤسسة‭ ‬التشريعية‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2016،‭ ‬لدرجة‭ ‬مبادرة‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الهيئات‭ ‬المدنية‭ ‬والحقوقية‭ ‬إلى‭ ‬إطلاق‭ ‬عريضة‭ ‬رقمية‭ ‬للمطالبة‭ ‬بتجريم‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تحقيق‭ ‬الانسجام‭ ‬بين‭ ‬المنظومة‭ ‬القانونية‭ ‬الوطنية‭ ‬واتفاقية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لمكافحة‭ ‬الفساد،‭ ‬التي‭ ‬صادق‭ ‬عليها‭ ‬المغرب‭ ‬ونشرها‭ ‬في‭ ‬الجريدة‭ ‬الرسمية‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2007‭. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬عودة‭ ‬النقاش‭ ‬إلى‭ ‬أوجه‭ ‬إثر‭ ‬المصادقة‭ ‬على‭ ‬نص‭ ‬اتفاقية‭ ‬الاتحاد‭ ‬الافريقي‭ ‬لمنع‭ ‬الفساد‭ ‬ومكافحته،‭ ‬المعتمدة‭ ‬بمابوتو‭ ‬في‭ ‬

الموزمبيق‭. ‬مما‭ ‬يلزم‭ ‬السلطتين‭ ‬التشريعية‭ ‬والتنفيذية‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬موقعهما‭ ‬الوظيفي‭ ‬على‭ ‬ملائمة‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الالتزامات،‭ ‬سواء‭ ‬الدولية‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬الوطنية‭.‬

لحدود‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬زال‭ ‬تجريم‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭ ‬حبيس‭ ‬رفوف البرلمان،‭ ‬والأزمة‭ ‬احتدت‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬الحكومة‭ ‬وبين‭ ‬الأغلبية‭ ‬نفسها،‭ ‬التي‭ ‬تباينت‭ ‬رؤياها‭ ‬لطريقة‭ ‬إخراج‭ ‬القانون‭ ‬بصيغة‭ ‬توافقية‭ ‬تخدم‭ ‬مبدأ‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬فئة‭ ‬(الأقلية)‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬ويلات‭ ‬وشظايا‭ ‬الفساد‭.‬

فمنذ‭ ‬سنة‭ ‬2020،‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬مناقشة‭ ‬لجنة‭ ‬العدل‭ ‬والتشريع‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بمجلس‭ ‬النواب‭ ‬لمشروع‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭ ‬في‭ ‬مقتضاه‭ ‬المتعلق‭ ‬بمكافحة‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المنتظر‭ ‬اقتراح‭ ‬مبادرات‭ ‬نوعية‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬لتدارك‭ ‬الخلل‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬يشوب‭ ‬هذا‭ ‬المقتضى‭ ‬في‭ ‬صيغته‭ ‬المقدمة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الحكومة،‭ ‬لكن‭ ‬فرق‭ ‬الأغلبية‭ ‬قدمت‭ ‬صيغة‭ ‬تقزم‭ ‬هذه‭ ‬الآلية‭ ‬القانونية،‭ ‬الوقائية‭ ‬والردعية،‭ ‬

وتجعلها‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬مفعول‭ ‬جدي،‭ ‬حيث‭ ‬يعاب‭ ‬أساسا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الاختيار‭ ‬حصر‭ ‬تجريم‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬داخل‭ ‬إطار‭ ‬قانوني‭ ‬محدود‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬التصريح‭ ‬بالممتلكات‭. ‬وهو‭ ‬إطار‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬عمليا‭ ‬على‭ ‬كشف‭ ‬ورصد‭ ‬التطور‭ ‬المشبوه‭ ‬للثروة،‭ ‬حيث‭ ‬تشير‭ ‬التجربة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المؤشرات‭ ‬الموضوعية‭ ‬لاكتشاف‭ ‬التطور‭ ‬المشبوه‭ ‬للثروة‭ ‬متعددة‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تساهم‭ ‬فيها‭ ‬عدة‭ ‬مؤسسات‭ ‬وطنية‭ ‬كالمحافظة‭ ‬العقارية‭ ‬وإدارة‭ ‬الضرائب‭ ‬والجمارك‭ ‬ومكتب‭ ‬الصرف‭ ‬والمؤسسات‭ ‬البنكية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الهيئات‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة‭.‬

وهناك‭ ‬عناصر‭ ‬أخرى‭ ‬تعيق‭ ‬فعالية‭ ‬هذه‭ ‬الآلية‭ ‬وتجعلها‭ ‬عمليا‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬ملاحقة‭ ‬مظاهر‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع،‭ ‬وعن‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬بؤر‭ ‬الفساد‭ ‬التي‭ ‬تُفرِز‭ ‬هذا‭ ‬الإثراء،‭ ‬ومن‭ ‬ضمنها‭ ‬إرجاء‭ ‬عملية‭ ‬مراقبة‭ ‬التطور‭ ‬المشبوه‭ ‬للثروة‭ ‬إلى‭ ‬غاية‭ ‬نهاية‭ ‬وظائف‭ ‬أو‭ ‬مهام‭ ‬الأشخاص‭ ‬المعنيين‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يقوض‭ ‬مبدأ‭ ‬راهنية‭ ‬الجزاء‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تنصيب‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للحسابات‭ ‬كجهةً‭ ‬حصريةً‭ ‬لإثبات‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬يسائلنا‭ ‬عن‭ ‬حدود‭ ‬سلطة‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬تقدير‭ ‬أدلة‭ ‬الإثبات،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬كون‭ ‬صلاحيات‭ ‬هذا‭ ‬المجلس‭ ‬تنحصر‭ ‬في‭ ‬مراقبة‭ ‬إنفاق‭ ‬المالية‭ ‬العمومية،‭ ‬باعتباره‭ ‬مؤسسة‭ ‬قضائية،‭ ‬وليس‭ ‬جهازا‭ ‬للتقصي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬البحوث‭ ‬الإجرامية‭.‬

كما‭ ‬يعاب‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬التشريعي‭ ‬بخصوص‭ ‬قوانين‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد،‭ ‬اعتماد‭ ‬آلية‭ ‬ربط‭ ‬القوانين‭ ‬الواحد‭ ‬بالآخر،‭ ‬بدل‭ ‬تكريس‭ ‬قوانين‭ ‬مستقلّة،‭ ‬مع‭ ‬تكامل‭ ‬في‭ ‬الآليات‭ ‬والصلاحيات‭ ‬التي‭ ‬تمنحها‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يرهن‭ ‬فعالية‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القوانين‭ ‬بصدور‭ ‬أخرى‭ ‬متأخرة،‭ ‬ويؤدي،‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬تشرذم‭ ‬في‭ ‬التعريفات‭ ‬المختلفة‭ ‬لجرائم‭ ‬الفساد والعقوبات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بها،‭ ‬وفي‭ ‬صلاحيات‭ ‬الهيئات‭ ‬القضائية‭ ‬المختلفة‭.‬

هذا،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬القضائي‭ ‬بشكله‭ ‬الراهن‭ ‬أثبت‭ ‬بشكل‭ ‬قوي‭ ‬أنه‭ ‬عاجز‭ ‬عن‭ ‬الإحاطة‭ ‬ومحاصرة‭ ‬ظاهرة‭ ‬انتشار‭ ‬الفساد،‭ ‬بتجلياته‭ ‬العملية،‭ ‬رغم‭ ‬المجهودات‭ ‬المبذولة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للسلطة‭ ‬القضائية‭ ‬لتوسيع‭ ‬مجال‭ ‬السلطة‭ ‬التقديرية،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬ماسة‭ ‬إلى‭ ‬التأطير‭ ‬الكافي‭ ‬لضمان‭ ‬إرساء‭ ‬منظومة‭ ‬الأمن‭ ‬القضائي‭ ‬الصحيح‭ ‬المرتبط‭ ‬بالعدل‭ ‬والإنصاف‭. ‬مما‭ ‬يطرح‭ ‬مسألة‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬فيما‭ ‬يسمى‭ ‬بالسلطة‭ ‬التقديرية‭. ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬ضمان‭ ‬الاستقلالية‭ ‬الحقيقية‭ ‬والإيجابية‭ ‬للسلطة‭ ‬القضائية‭.‬

وفي‭ ‬خوضه‭ ‬لمعركة‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬والرشوة،‭ ‬عمل‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬آلياته‭ ‬المؤسساتية‭ ‬والقانونية،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬إحداث‭ ‬”الهيئة‭ ‬الوطنية‭ ‬للنزاهة‭ ‬والوقاية‭ ‬من‭ ‬الرشوة‭ ‬ومحاربتها”،‭ ‬بمقتضى‭ ‬الفصل‭ ‬36‭ ‬من‭ ‬الدستور‭. ‬وهو‭ ‬كذلك‭ ‬خرج‭ ‬بعد‭ ‬تردّد‭ ‬كبير‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬التشريعية‭ ‬ضرورة‭ ‬إخراج‭ ‬قانون‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬إلى‭ ‬حيز‭ ‬الوجود،‭ ‬فإن‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬التصريح‭ ‬بالممتلكات‭ ‬وتجريم‭ ‬تضارب‭ ‬المصالح‭ ‬والرفع‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بجرائم‭ ‬الفساد‭ ‬المالي‭ ‬ومنها‭ ‬جريمة‭ ‬الرشوة‭ ‬أساسية‭ ‬كذلك‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬للتقادم‭.‬

وجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأوراش‭ ‬ذات‭ ‬الطبيعة‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬اعتمدها‭ ‬المُشرّع،‭ ‬لم‭ ‬تبلغ‭ ‬مداها،‭ ‬وحتى‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬زالت‭ ‬موضوع‭ ‬تداول،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمشروع‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي،‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬وحدها‭ ‬للتصدي‭ ‬للفساد‭. ‬فالنص‭ ‬القانوني‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إمكانيات‭ ‬مادية‭ ‬وبشرية،‭ ‬وإلى‭ ‬حكامة‭ ‬مؤسساتية‭ ‬قوية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التنزيل‭ ‬والتفعيل‭ ‬الحقيقي‭ ‬للقانون‭.‬

وهو‭ ‬جهد‭ ‬مؤسساتي‭ ‬يحتاج‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬إرادة‭ ‬سياسية‭ ‬حقيقية‭ ‬وإلى‭ ‬مناخ‭ ‬يسمح‭ ‬بممارسة‭ ‬هيئات‭ ‬الحكامة‭ ‬لمهامها،‭ ‬لأن‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬أضحى‭ ‬معطى‭ ‬بنيويا‭ ‬ومنظومة‭ ‬بنيوية‭ ‬معقدة‭ ‬يصعب‭ ‬مواجهته‭ ‬فقط‭ ‬بالترسانة‭ ‬القانونية‭ ‬وبالآليات‭ ‬المؤسساتية‭ ‬لوحدها‭ ‬-‭ ‬رغم‭ ‬أهميتها‭ ‬-‭. ‬لأن‭ ‬الأمر‭ ‬يتطلب‭ ‬مشاركة‭ ‬المواطنين‭ ‬بتأمين‭ ‬وضمان‭ ‬حق‭ ‬حرية‭ ‬الكلمة‭ ‬وحق‭ ‬التمسك‭ ‬بالقانون‭ ‬دون‭ ‬خوف‭ ‬أو‭ ‬إكراه،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتطلب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الجهد‭ ‬في‭ ‬تعبئة‭ ‬الرأسمال‭ ‬البشري‭ ‬والاستثمار‭ ‬فيه‭ ‬لتحقيق‭ ‬الحدود‭ ‬الدنيا‭ ‬لقيمة‭ ‬وفضيلة‭ ‬المواطنة‭.‬

عبد اللطيف أعمو (سياسي ونقيب سابق لهيئة المحامين

Loading

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Breaking News
Translate »