تُعتبر حامة عين الشفاء بجماعة أزلاف، إقليم الدريوش، واحدة من أهم الموارد الطبيعية والتاريخية بالمنطقة. فقد كانت عبر عقود طويلة مقصدًا للباحثين عن الاستشفاء بالمياه المعدنية والراحة الروحية، بل وتحمل دلالة رمزية تاريخية لكون الملك الراحل محمد الخامس سبق له أن زارها. غير أن هذه الحامة، ورغم قيمتها، عرفت تدهورًا وإهمالًا طال أمده، وهو ما دفع فعاليات محلية وجهوية إلى التفكير الجدي في تأهيلها وجعلها رافعة للتنمية السياحية والاقتصادية.
المشروع الذي انطلقت أشغاله الإدارية والتهيئة الأولية، تقوم على تنزيله مؤسسات متعددة أبرزها جماعة أزلاف، المجلس الإقليمي للدريوش، مجلس جهة الشرق، والمديرية العامة للجماعات الترابية، بشراكة مع شركة العمران. وقد تم الإعلان عن فتح طلبات العروض قصد اختيار المقاولة التي ستُنجز المشروع، حيث حُدد تاريخ 16 أكتوبر كموعد لفتح الأظرفة.
التمويل
التمويل المخصص للمشروع أثار نقاشًا واسعًا بسبب تباين الأرقام الواردة في تقارير محلية ورسمية. ففي حين أشارت بعض المصادر إلى غلاف مالي يناهز 6.65 مليون درهم (665 مليون سنتيم) مخصص للشطر الأول من الأشغال، تحدثت مصادر أخرى عن 8 ملايين درهم كمبلغ أولي موزع بين مساهمات الجماعة والمديرية العامة والمجلس الإقليمي. كما ورد رقم 24 مليون درهم ضمن ميزانية مجلس جهة الشرق، يهم مرحلة أوسع للتأهيل وربما توسعات مستقبلية. هذا التفاوت يعكس في الواقع تمويلًا مرحليًا: شطر أول محدود لتأهيل أساسي، ثم اعتمادات أكبر للتوسعة والتجهيز المتكامل.
و يرتكز برنامج التأهيل على عناصر رئيسية، منها
ترميم وحماية منبع المياه وضمان مراقبة جودتها.
تشييد مرافق استشفائية حديثة (حمامات، مسبح للرجال، مسبح للأطفال).
تجهيز مرافق استقبال (بيوت ضيافة، مطاعم، مقاهي، مرافق صحية).
تحسين البنية التحتية (طرق، مواقف سيارات، شبكة تصريف، كهرباء).
المشروع لا يقتصر على الجانب البنائي، بل يسعى أيضًا إلى إحياء الوظيفة الاقتصادية للحامة، عبر خلق فرص شغل مباشرة وغير مباشرة، وتنشيط الاقتصاد المحلي من خلال استقطاب السياح والزوار والجالية المغربية بالخارج، مع ربط التجربة العلاجية بعروض سياحة قروية وحرفية.
الأثر الاقتصادي والاجتماعي
من المرتقب أن يخلق المشروع دينامية جديدة بالمنطقة: تشغيل شباب محلي في الضيافة والصيانة، زيادة مداخيل الأسر عبر أنشطة تجارية مرتبطة بالسياحة، وتعزيز صورة إقليم الدريوش كوجهة صاعدة في السياحة البيئية والعلاجية. كما أنه يحمل بعدًا اجتماعيًا مهمًا، يتمثل في إعادة الاعتبار لمعلمة تاريخية ظلت لعقود مهمشة، وتحويلها إلى فضاء يبعث الفخر في نفوس الساكنة.
نجاح المشروع رهين باحترام معايير حماية البيئة، إذ أن أي استغلال مفرط أو غير مراقب لمياه العين قد يهدد استدامتها. لذا، تُعد الدراسات البيئية والهيدروكيميائية خطوة ضرورية قبل أي توسعة، مع اعتماد نظام فعال لإدارة النفايات والمياه العادمة، وتخصيص مساحات خضراء تحافظ على الطابع الطبيعي للمكان.
التوصيات التي يطرحها الفاعلون المحليون والخبراء تركز على ضرورة:
توحيد مصادر التمويل في اتفاقية واضحة وشفافة.
إطلاق شطر تجريبي سريع لإظهار نتائج ملموسة.
إشراك الساكنة في التسيير عبر لجنة قيادة متعددة الأطراف.
الاستثمار في التسويق الذكي للحامة كوجهة سياحية علاجية وقروية.